كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وكل شريعة منها كاملة في وقت التعبّد بها. فكمل الله عز وجل الشرائع في اليوم الذي ذكره- وهو يوم عرفة- ولم يوجب ذلك، أنَّ الدين كان ناقصًا في وقت من الأوقات.
وللإمام القفّال نحو ذلك، نقله عنه الرازيّ واختاره. قال: إنَّ الدين ما كان ناقصًا البتة، بل كان أبدًا كاملًا. يعني: كانت الشرائع النازلة من عند الله في كل وقت كافية في ذلك الوقت، إلاّ أنه تعالى كان عالمًا في أول وقت المبعث بأن ما هو كامل في هذا اليوم ليس بكامل في الغد ولا صلاح فيه. فلا جرم كان ينسخ بعد الثبوت. وكان يزيد بعد العدم. وأما في أخر زمان المبعث فأنزل الله شريعة كاملة، وحكم ببقائها إلى يوم القيامة. فالشرع أبدًا كان كاملًا. إلا أن الأول كمال إلى زمان مخصوص. والثاني كمال إلى يوم القيامة. فلأجل هذا قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} {وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} يعني بإكمال الدين والشريعة. لأنه لا نعمة أتمّ من نعمة الإسلام. أو بفتح مكة ودخولها آمنين ظاهرين. وهدم منار الجاهلية ومناسكهم، وأن لم يحج معكم مشرك، ولم يطف بالبيت عريان. أو بإنجاز ما وعدهم بقوله: {وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ}. فكان من تمام النعمة فتح مكة وما ذكرنا {وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} يعني: اخترته لكم من بين الأديان، وآذنتكم بأنه هو الدين المرضيّ وحده {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْه} [آل عِمْرَان: 85]، أو معناه: الانقياد لأمري فيما شرعت لكم من الفرائض والأحكام والحدود ومعالم الدين الذي أكملته لكم. ومعلوم أن الإسلام لم يزل مرضيًّا للحق تعالى منذ القدم، إلاّ أن المعنيّ به، في الآية، الصفة التي هو اليوم بها. وهي نهاية الكمال والبلوغ به أقصى درجاته. أي: فالزموه ولا تفارقوه: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإسْلامُ} [آل عِمْرَان: 19]..!
روى البغوي بسنده عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قال جبريل: قال الله عز وجلّ: هذا دين ارتضيته لنفسي ولن يصلحه إلاّ السخاء وحسن الخلق فأكرموه بهما ما صحبتموه».
فوائد:
الأولى: روى الإمام أحمد والشيخان وغيرهم عن طارق بن شهاب قال: جاء رجل من اليهود إلى عُمَر بن الخطاب فقال: يا أمير المؤمنين! إنكم تقرؤون آيةً في كتابكم، لو علينا، معشر اليهود، نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا. قال: وأيّ آية؟ قال: قوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي}. فقال عمر: والله! إني لأعلم اليوم الذي نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والساعة التي نزلت فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة في يوم جمعة.
قال ابن كثير: وقد روي هذا من غير وجه عن عمر. وروى ابن جرير عن قَبِيصَة بن أبي ذئب قال: قال كعب: لو أن غير هذه الأمة نزلت عليهم هذه الآية لنظروا اليوم الذي أنزلت فيه عليهم فاتخذوه عيدًا يجتمعون فيه. فقال عمر: أي: آية يا كعب؟ فقال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} فقال عمر: قد علمت اليوم الذي أنزلت، والمكان الذي أنزلت فيه. نزلت في يوم جمعة ويوم عرفة. وكلاهما بحمد الله لنا عيدٌ. وروى ابن جرير القصة أيضًا عن ابن عباس، وأنه قال: نزلت يوم عيدين إثنين. يوم عيد ويوم جمعة... وروى ابن مردويه عن ابن الحنفية عن عليّ قال: نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم عشية عرفة: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}. ورواه أيضًا عن سمرة. وروى ابن جرير نحوه عن معاوية. وروي عن السدّي قال: نزلت هذه الآية يوم عرفة، ولم ينزل بعدها حلال ولا حرام. ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمات. فقالت أسماء بنت عميس: حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الراحلة. فلم تطق الراحلة من ثقل ما عليها من القرآن. فنزلت. فأتيته فسجيت عليه بردًا كان عليّ.
وقال ابن جرير وغيره: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد يوم عرفة بأحد وثمانين يومًا.
وقال ابن جرير: حدثنا سفيان بن وكيع: حدثنا ابن فضيل عن هارون بن عنترة عن أبيه قال: لما نزلت: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}- وذلك يوم الحج الأكبر- بكى عمر. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما يبكيك؟ قال: أبكاني أنا كنا في زيادة من ديننا.
فأما إذ كمل، فإنه لم يكمل شيء إلا نقص. فقال: صدقت.
قال ابن كثير: ويشد لهذا المعنى الحديث الثابت: «إن الإسلام بدأ غريبًا وسيعود غريبًا فطوبى للغرباء». انتهى.
قلت: والحديث المذكور رواه مسلم عن أبي هريرة. والترمذي عن ابن مسعود. وابن ماجة عنهما أيضًا وعن أنس، والطبراني عن سلمان وسهل وابن عباس.
هذا، وروى ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس في الآية قال: ليس ذلك بيومٍ معلوم عند الناس. ومن طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس قال: نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسيره إلى حجة الوداع. وروى ابن مردويه من طريق أبي هارون العبدّي عن أبي سعيد الخدري؛ أنها نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خمّ.
حين قال لعليّ: من كنت مولاه فعلي مولاه. ثم ورواه عن أبي هريرة وفيه: إنه اليوم الثامن عشر من ذي الحجة- يعني مرجعه صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع.
قال ابن كثير: ولا يصح لا هذا ولا هذا. بل الصواب الذي لا شك فيه ولا مرية، أنها نزلت يوم عرفة وكان يوم جمعة، كما قدمنا عن عمر وعلي ومعاوية وابن عباس وسمرة رضي الله عنهم، وعن ثلّة من التابعين.
الثانية: استدلّ نفاة القياس بهذه الآية، على أنَّ القياس باطل. وذلك لأنّ الآية دلت على أنه تعالى قد نصّ على الحكم في جميع الوقائع، إذ لو بقي بعضها غير مبيّن الحكم لم يكن الدين كاملًا، وإذا حصل النص في جميع الوقائع، فالقياس- إن كان على وفق ذلك النص- كان عبثًا وإن كان على خلافه كان باطلًا.
وأجاب عنه مثبتو القياس بما بسطه الرازيّ. فانظره.
الثالثة: قال صاحب «فتح البيان»: لا معنى للإكمال في الآية إلا وفاء النصوص بما يحتاج إليه الشرع. إمَّا بالنص على كل فرد، أو باندراج ما يحتاج إليه تحت العمومات الشاملة. ومما يؤيد ذلك قوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38] وقوله: {وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام: 59] وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «تركتكم على الواضحة، ليلها كنهارها». وجاءت نصوص الكتاب العزيز بإكمال الدين. وبما يفيد هذا المعنى، ويصحح دلالته، ويؤيد برهانه، ويكفي في دفع الرأي، وأنه ليس من الدين- قول الله تعالى هذا. فإنه إذا كان الله قد أكمل دينه قبل أن يقبض إليه نبيَّه صلى الله عليه وسلم، فما هذا الرأي الذي أحدثه أهله بعد أن أكمل الله دينه لأنه إن كان من الدين- في اعتقادهم- فهو لم يكمل عندهم إلا برأيهم، وهذا فيه ردَّ للقرآن. وإن لم يكن من الدين، فأيّ فائدة في الاشتغال بما ليس منه؟ وما ليس منه فهو ردّ بنص السنة المطهرة. كما ثبت في «الصحيح»-وهذه حجة قاهرة ودليل باهر لا يمكن أهل الرأي أن يدفعوه بدافع أبدًا. فاعل هذه الآية الشريفة أول ما تصكّ به وجوه أهل الرأي، وترغم به آنافهم، وتدحض به حجتهم. فقد أخبرنا الله في محكم كتابه أنه أكمل دينه. ولم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بعد أن أخبرنا بهذا الخبر عن الله عز وجل. فمن جاء بشيء من عند نفسه وزعم أنه من ديننا قلنا له: إنّ الله أصدق منك: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} [النساء: 122]. اذهب لا حاجة لنا في رأيك. وليت المقلدة فهموا هذه الآية حق الفهم حتى يستريحوا ويريحوا. وقد أخبرنا الله في محكم كتابه أن القرآن أحاط بكل شيء فقال: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْء} [الأنعام: 38]. وقال: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً} [النحل: 89]. ثم أمر عباده بالحكم بكتابه فقال: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} [المائدة: 49]. وقال: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء: 105]. وقال: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ} [الأنعام: 57]. وقال: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44]. وفي آية.. {هُمُ الظَّالِمُون} [المائدة: 45]. وفي أخرى.. {هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة: 47]. وأمر عباده أيضًا في محكم كتابه باتباع ما جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم فقال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]. وهذه أعمّ آية في القرآن، وأبْيَنُها في الأخذ بالسنة المطهرة، وقال: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء: 59]. وقد تكرر هذا في مواضع من الكتاب العزيز. وقال: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [النور: 51]. وقال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]. والاستكثار من الاستدلال على وجوب طاعة الله وطاعة رسوله لا يأتي بعائدة. ولا فائدة زائدة، فليس أحد من المسلمين يخالف في ذلك. ومن أنكره فهو خارج عن حزب المسلمين. وإنما أوردنا هذه الآيات الكريمة، والبينات العظيمة تليينًا لقب الملّقد الذي قد جمد، وصار كالجلمد. فإنه إذا سمع مثل هذه الأوامر القرآنية، ربما امتثلها وأخذ دينه من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، طاعة لأوامره. فإن هذه الطاعة، وان كانت معلومة لكل مسلم، لكن الإنسان قد يذهل عن القوارع الفرقانية والزواجر المحمدية، فإذا ذُكِّرَ بها ذَكرَ. ولاسيما من نشأ على التقليد وأدرك سلفه ثابتين عليه غير متزحزحين عنه. فإنه يقع في قلبه، أن دين الإسلام هو هذا الذي هو عليه. وما كان مخالفًا له فليس من الإسلام في شيء. فإذا راجع نفسه رجع.
ولهذا تجد الرجل إذا نشأ على مذهب من هذه المذاهب، ثم سمع- قبل أن يتمرد بالعلم ويعرف ما قاله الناس- خلاف ذلك المألوف، استنكره وأباه قلبه، ونفر عنه طبعه. وقد رأينا وسمعنا من هذا الجنس ما لا يأتي عليه الحصر. ولكن إذا وازن العاقل بعقله، بين من اتبع أحد أئمة المذاهب في مسألةٍ من مسائله التي رواها عنه المقلّد- ولا مستند لذلك العالم فيها، بل قالها بمحض الرأي لعدم وقوفه على الدليل- وبين من تمسك في تلك المسألة بخصوصها بالدليل الثابت في القرآن والسنة؛ أفاده العقل بأن بينهما مسافات تنقطع فيها أعناق الإبل، لا جامع بينهما، لأنّ من تمسك بالدليل أخذ بما أوجب الله عليه الأخذ به، واتبع ما شرعه الشارع لجميع الأمة: أولها وآخرها، وحيّها وميتها...! والعالم يمكنه الوقوف على الدليل من دون أن يرجع إلى غيره. والجاهل يمكنه الوقوف على الدليل بسؤال علماء الشريعة، واسترواء النص، وكيف حكم الله في محكم كتابه أو على لسان رسوله في تلك المسألة. فيفيدونه النص إن كان ممن يعقل الحدة إذا دل عليها، أو يفيدونه مضمون النص بالتعبير عنه بعبارة يفهمها. فهم رواة وهو مستروٍ، وهذا عامل بالرواية لا بالرأي؛ والمقلد عامل بالرأي لا بالرواية. لأنه يقبل قول الغير من دون أن يطالبه بحجة. وذلك في سؤاله يطالب بالحجة لا بالرأي، فهو قابل لرواية الغير لا لرأيه. وهما من هذه الحيثية متقابلان، فانظر كم الفرق بين المنزلتين؟ والكلام في ذلك يطول ويستدعي استغراق الأوراق الكثيرة. وهو مبسوط في مواطنه، وفيما ذكرناه مقنع وبلاغ، وبالله التوفيق. انتهى كلامه. الرابعة: قال بعض الزيدية: ثمرة الآية تعظيم هذا اليوم المذكور، وأنه يلزم الشكر لله تعالى على التمسك بملّة الإسلام.
وقوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ} متصل بذكر المحرمات. وما بينهما اعتراض بما يوجب أن يجتنب عنه. وهو أنَّ تناولها فسوق، وحرمتها من جملة الدين الكامل، والنعمة التامة، والإسلام المرضيّ. ومعناه: فمن اضطر إلى تناول شيء من هذه المحرمات: الميتة وما بعدها، أي: أصيب بالضر الذي لا يمكنه الامتناع معه من الميتة وما بعدها: {فِي مَخْمَصَةٍ} أي: مجاعة يخاف معها الموت أو مبادئه- و(المخمصة): مصدر مثل المَغْضبة والمَعْتبةً. يقال: خمصه الجوع خمصًا ومخمصة، وخمص البطن (مثلثة الميم) خلا {غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ} أي: غير منحرف إليه بالأكل فوق الضرورة، أو العصيان بالسفر. كقوله تعالى: {غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ} [البقرة: 173] {فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} لتناوله الحرام- فلا يؤاخذه به: {رَّحِيمٌ} أي: بإعطائه الرخصة فيه لعلمه بحاجة عبده المضطر، وافتقاره إلى ذلك، فيتجاوز عنه ويغفر له. وفي «المسند» و«صحيح» ابن حبان عن ابن عمر- مرفوعًا- قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته». لفظ ابن حبان. وفي لفظ لأحمد: «من لم يقبل رخصة الله كان عليه من الإثم مثل جبال عرفة» ولهذا قال الفقهاء: قد يكون تناول الميتة واجبًا في بعض الأحيان، وهو ما إذا خاف على نفسه ولم يجد غيرها. وقد يكون مندوبًا، وقد يكون مباحًا، بحسب الأحوال. واختلفوا: هل يتناول منها قدر ما يسد به الرمق، أو له أن يشبع ويتزود؟ على أقوال. وليس من شرط تناول الميتة أن يمضي عليه ثلاثة أيام لا يجد طعامًا- كما قد يتوهمه كثير من العوام وغيرهم- بل متى اضطر إلى ذلك جاز له. وقد روى الإمام أحمد عن أبي واقد الليثي؛ أنهم قالوا: يا رسول الله! إنا بأرض تصيبنا بها المخمصة. فمتى تحل لنا بها الميتة؟ فقال: «إذا لم تصطبحوا ولم تغتبقوا ولم تحتفئوا بقلًا، فشأنكم بها.». إسناده صحيح على شرط الشيخين، والاصطباح: شرب اللبن بالغداة فما دون القائلة، وما كان منه بالعشي فهو الاغتباق، ومعنى لم تحتفئوا: أي: تقتلعوا. وفي اللفظة عدة روايات وروى أبو داود عن الفجيع العامريّ: أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ما يحل لنا من الميتة؟ قال: ما طعامكم؟، قلنا: نصطبح ونغتبق! قال أبو نعيم: فسره لي عقبة: قدح غدوة وقدح عشية، قال: ذاك، وأبي! الجوع. فأحل لهم الميتة على هذه الحال». تفرد به أبو داود. وكأنهم كانوا يصطبحون ويغتبقون شيئًا لا يكفيهم. فأحل لهم الميتة لتمام كفايتهم. وقد يحتج به من يرى جواز الأكل منها حتى يبلغ حدّ الشبع، ولا يتقيد ذلك بسد الرمق. والله أعلم.